سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ

فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ." (أف 5: 15-16)
الذهاب إلى المحتوى

سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ

COPTiC APOLOGETiCS
تم النشر بواسطة أغنسطس/ مايكل متري في العقيده المسيحيه · السبت 19 فبراير 2022 ·  14:30
شبهه أرسلت لنا لكي نفندها بالرغم من تفنيدها مئات المرات من عظماء في البحث
 
وهي:- ورد بالكتاب المقدس "وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ،" (2 تس 2: 11) فكيف يرسل الله عمل الضلال للناس ليصدقوا الكذب؟ وحيث أن لله سيرسلة فهذا يعني أن الشيطان يعمل لحساب الله وليس ضدة كما نعلم. نرجوا الرد حيث أن الإجابات التي تتحدث عن سماح الله تعني في ظاهرها أن الشيطان يعمل لحساب الله كما ذكرت.
 

الإجابة:- أكتب من جهة مفهوم ضعفي اليوم للرد علي تلك الشبهة والتي كما ذكرت أنه قام بتفنيدها مئات المرات من عظماء في البحث ولكني تطرقت اليها حيث أن وصلنا سؤال أخر من سفر الرؤيا 20 يقول:- "ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ. " (رؤ 20: 7, 8) فلماذا يحل الله الشيطان من سجنة لكي يضل الأمم؟ أليس هذا ضد العدل الإلهي؟ وهل هذا يوضح أن الله مضل؟.
 
وقد رأيت في ذلك السؤال ماهو قريب من الشبهة الأساسية ولهذا أعرض مفهوم ضعفي في تفنيد تلك الشبهتين معا حيث أنهم يحملان نفس الإتجاة وبالتالي الإجابة قد تكون متطابقة في السؤالين.
 
 
بداية قبل الخوض في الرد أحب أن أوضح أننا قد نخطئ في مفهومنا عن سماح الله , حيث أن سماح الله لا يعني أنه المسبب أو أنه يرضي بالشر, فالله لا يسبب الألم أو الشر أو الحرب أو المرض ......إلخ "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا." (يع 1: 13)
 
"لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. " (يع 1: 16-17)

"فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟»." (لو 11: 13)

"هكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ." (مت 18: 14)

فسماح الله لا يمكن أن يفهم إلا من خلفية أن الله سمح بأن يكون هذا العالم يتوافق مع طبيعة آدم وبهذا يحافظ الله على حرية آدم الكاملة حتي بعد أن سقط آدم وسقطت معه الخليقة.
 
"إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ - لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا - عَلَى الرَّجَاءِ." (رو 8: 20) "فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ." (رو 8: 22)
 
لماذا صارت فاسدة؟ وما هو السبب؟ بسببك أنت أيها الإنسان، فإنك إذ حملت جسدًا ميتًا قابلا للآلام تقبلت الأرض لعنة وأنبتت شوكا وحسكًا. لقد حاصرها الشر لأجلك وصار مفسدًا، مع أن (الخليقة) لم ترتكب خطأ من جانبها، وعندما يقول أنها أخضعت "ليس طوعًا" لا لأن يظهر ما قد حدث لها وإنما لكي نتعلم عناية المسيح للكل، فإن إصلاح الخليقة لا يكون من ذاتها (راجع تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي – روميه8)
 
إذا لماذا الألم والتجارب؟ يجيبنا الكتاب المقدس:- "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا." (يع 1: 14-15)
 
فالرب يسمح لأنه أعطي الأنسان حرية إرادة كاملة ويحترمها ولكن لا يسبب الشر والتجارب .
بل علي العكس فإن سماح الله لا يتعارض مع مقدرة إحتمال الأنسان "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا." (1 كو 10: 13)
 
فهو لن يسمح بما هو فوق إحتمالك , بل ودائما يجعل المنفذ مع التجربة ولك كامل الحرية والإرادة لقبول أو رفض المنفذ والإحتمال.
وهنا أيضا نري بوضوح أنه ضابط الكل.
 
 
والآن دعنا نعود الي موضوع شبهتنا :-
 
ولنتفق أولا أن إستقطاع آية واحدة من خلال نص قد ينتج عنه إنحراف في  الفهم والتفسير, ولهذا نجد أنه من الصواب قراءة النص كاملا:-
 
 
   - رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل تسالونيكي 2
 
 
1 ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ،
 
2 أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ.
 
نري من المقدمة أنه يتكلم عن المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح, وينبهنا أن لا نصدق كل روح بل نمتحنها. "امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ." (1 تس 5: 21)
 
3 لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلًا، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ،
4 الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ.
5 أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ، كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هذَا؟
 
 
هنا نجد أنه ينبه المؤمنين أن ذلك المجئ يسبقه الأرتداد أولا, أي أن كثيرون من المؤمنين ينكرون ويرجعون عن إيمانهم بالمسيح ويجدفون علي الروح القدس وليس نفر قليل كما يحدث في جميع العصور. " وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟»" (لو 18: 8)
 
كلمة ارْتِدَادُ في اليونانية تعني ثورة عسكرية وتمرد عسكري سياسي وعصيان، والمقصود ثورة على المسيح.
 
إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ : هو عكس المسيح في كل شيء، فالمسيح هو استعلان للبر،ويرى ذهبي الفم وأغسطينوس وغيرهم أنه يتربع في هيكل الكنيسة المسيحية أي يأخذ الكنائس المسيحية ويجعلها مراكز لعبادته ، وهذا هو الرأي الأرجح لأن الرسول يسميه هيكل الله، فهل يكون هيكل منسوب لله ويقدم فيه اليهود ذبائح حيوانية. وهناك رأي أن المؤمن هو هيكل لله، تقدس بالمعمودية، وهذا سيفسد قلوب الناس ويملأها شر لحسابه. (راجع تفسير القمص أنطونيوس فكري – تسالونيكي 2)
 
 
6 وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ.
7 لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ،
 
 
هنا نجد إعلان هام جدا يخبرنا به بولس الرسول, أن هناك ما يحجز الأن, فماذا إذا هو الذي يحجز الآن؟ وكيف سيرفع من الوسط؟
 
فلنفهم أن الحاجز هو الروح القدس الذي يعوق قيام إنسان الخطية حتى يحل في الوقت المحدد. (هذا كان رأي سائد أيام القديس يوحنا ذهبي الفم). ويحل في الوقت بمعني أن الروح القدس لن يقاوم عمل إنسان الخطية لندرة الإيمان كما وضحنا من (لو 18: 8) والتجديف علي الروح القدس.
سر الإثم : الشيطان الذي يعمل في الخفاء في قلوب الناس ليبعدهم عن الله. ذلك الوقت الذي يستخدم ضد المسيح وأنصاره "جوج وماجوج" كل طرق القسوة والعنف والخداع والتضليل للفتك بالقديسين لكي ينحرفوا عن الإيمان، وبالتالي يرفع من الوسط الذي يحجز الآن إشارة الي أن الأرتداد يكون في رفض عمل وتبكيت الروح القدس لكي يتوبوا ويرجعوا عن شرهم من الأشخاص الذين انحرفوا وراء ضد المسيح وأفكاره، وقاوموا الكنيسة "لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ." (1 تس 5: 19). ولكن يظل الله أمين, إذ يرسل المنفذ الذي يقاوم ضد المسيح ويشهد للمسيح:-
 
في الوقت الذي فيه يظلم العالم بسبب مجيء ضد المسيح وانتشار أضاليله، يرسل الله شاهديه "إيليا وأخنوخ" اللابسين مسوحًا، الزاهدين في أمور هذا الزمان، ليُقاوما ذاك الذي يُنَصِّب نفسه ملكًا وهو مترفه مع أتباعه. وقد نادى الآباء الأولون بأن الشاهدين هما إيليا وأخنوخ وفي مقدمتهم يوستينوس الشهيد وهيبوليتس وأغناطيوس النوراني والعلامة ترتليان وأغسطينوس ومار أفرام السرياني والأب يوحنا الدمشقي.
 
يقول الأسقف هيبوليتس: [إنه لأمر طبيعي أن يظهر أولًا (قبل الدينونة) سابقاه كما قال على لسان ملاخي: "أٌرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (4: 5-6)].
 
يقول العلامة ترتليان "لقد انتقل أخنوخ (تك 5: 24، عب 11: 5) وأيضًا إيليا (2 مل 2: 11) دون أن يذوقا الموت. لقد أُرجئ موتهما إذ هما محفوظان ليحتملا الموت حتى أنه بدمهما يسحقا ضد المسيح" (رؤ 11: 13).
 
هكذا يهب لهما الرب روح النبوة "فيتنبآن" وتكون لهما القدرة على صنع المعجزات والوعظ ومحاورة ضد المسيح وشيعته. أما فترة شهادتهما فهي 1260 يومًا إلى يوم استشهادهما. أما فترة ضد المسيح فهي 42 شهرًا أو ثلاث سنين ونصف أيّ 1278 أو 1279 يومًا، فيبقى 18 أو 19 يومًا بين استشهادهما وموت ضد المسيح وانتهاء مملكته. (راجع تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي – رؤيا 11)
 
 
8 وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ.
9 الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ،
10 وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا.
11 وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ،
12 لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ.
 
 
ويلاحظ في كلمات الرسول الختامية عن إنسان الخطية الآتي:
 
يقول "حينئذ سيستعلن الأثيم"، وكأن إنسان الخطية الذي يدعى بالأثيم. إذ يثير البشر لارتكاب الإثم وإلى دفع الغير أيضًا لارتكاب ذات الفعل، هذا الأثيم يستعلن. كأنه كان قائمًا في ذهن الشيطان قبل ظهوره، وهو يبذل كل الجهد ويستخدم كل الحيل لظهوره، لكن لا يستعلن إلا حين يسمح الله بظهوره، حين يرفع الحاجز.
 
ظهور "ضد المسيح" يمثل رعبًا شديدًا وخطرًا على الكنيسة حتى إن أمكن المختارون أن يضلّوا، وقد رأينا ذلك بوضوح أثناء دراستنا لسفر الرؤيا، ومع ذلك يقول الرسول: "الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه".
 
"يبطله بظهور مجيئه". يرى العلامة أوريجينوس أن إنسان الخطية وهو يحمل أعمال الشيطان بكل عنفها وخداعاتها يمثل الكذب الذي لا يمكن أن يكون له وجود بإعلان ظهور مجيء المسيح، أي ظهور الحق(36). فظهور المسيح يسوع شمس البرّ في أواخر الدهور يقضي تمامًا على ظلمة عدو الخير، ويدفع بها إلى العذاب الأبدي، وإعلان الحق يحطم الكذب.
 
يقدم الرسول بولس تعليلًا لظهور إنسان الخطية قبل مجيء السيد الأخير. إذ يقول: "وبكل خديعة الإثم في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، لأجل هذا سيرسل إليهم اللَّه عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، لكي يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سرّوا بالإثم" [10، 11]. لقد سبق فجاء الحق متجسدًا ولم يعد للإنسان عذر في جهالته، ومع ذلك فقد وُجد أناس لا يصدقوا بل يفرحوا بالإثم. هؤلاء أسلموا أنفسهم للجهل والظلمة، فيسمح اللَّه بإرسال المضلل لا ليضلهم، وإنما ليفضح أعماقهم الشريرة، ويمتلئ كأسهم. وكما يقول الرسول بولس: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا اللَّه في معرفتهم أسلمهم اللَّه إلى ذهن مرفوض" (رو 1: 28). وكأن مجيء إنسان الخطية لا يحطم مجيء الحق إنما يزيدهم تزكية وبهاء. إنه يحطم من حطموا أنفسهم برفضهم الحق وسرورهم بالإثم. بهذا يتحقق قول السيد: "لأن كل من له يعطى فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 25: 29). (راجع تفسير القمص أنطونيوس فكري – تسالونيكي 2)
 
 
وأعتقد أن قول الرسول بولس "بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ" هو أكبر دليل علي رفضهم للحق ولهذا سيستعلن الأثيم لأن الرب سيعطيهم بحسب قلبهم "ِيُعْطِكَ حَسَبَ قَلْبِكَ، وَيُتَمِّمْ كُلَّ رَأْيِكَ." (مز 20: 4) فإذا كان قلب الشرير الغير تائب يريد الإثم ويسر به فلن يمنعه الله عن شرة (وهنا يظهر سماح الله لحرية إرادة الإنسان) وهذا ما يعنيه الكتاب في القول "ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ،" (رؤ 20: 7) وهذا السجن هو عمل الروح القدس (الذي يحجز الآن) ولكن الإنسان الشرير الذي يسر بالإثم يرفض عمل الروح القدس ويطفئه, وبالتالي سيجد الأثيم (الشيطان) مجالا لإتمام أغوائه الشريرة.

- فالذين يهلكون إنما يهلكون بغير إرادته، وهو يشهد ضد كل واحدٍ منهم يومًا فيومٍا قائلًا:- "حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. اِرْجِعُوا، ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ! فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟" (حز 33: 11)

 
 
* وأحب أن أعطي مثلا من الكتاب المقدس ليتضح المعني أكثر, وخير مثل هو يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِي.
 
وردت أول إشارة كتابية عن يهوذا عند اختياره تلميذًا, ولم تكن النعمة الوحيدة هي كونه تلميذا للمسيح بل أيضا إعطاؤة السلطان علي شفاء أمراض وإخراج ِشياطين "ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ." (مت 10: 1) بالرغم من ذكر الكتاب المقدس لبعض الإشارات التي تفصح عن شخصيته الشريرة منذ البداية, ومنها العبارات التي أنبأ بها السيد المسيح عن خيانة يهوذا في المستقبل "أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان؟" (يو 6: 70) ويعلق يوحنا قائلًا:  "قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي. لأن هذا كان مزمعًا أن يسلمه وهو واحد من الاثني عشر" (يو 6: 71) ولكن الموقف مهما كان مزعجًا لخطط يهوذا الجشعة, لم يكن قد وصل إلى الدرجة الحرجة الكافية لأن تدفعه إلى الرجوع الفوري عن يسوع. وقد هدأ خوفه من اكتشاف أمره، أن يسوع لم يذكره بالاسم، واستمر متظاهرًا بأنه واحد من الأمناء، كما كان للدوافع الشخصية لطبيعته الخسيسة أثر قوي في بقائه. ومع أنه كان أمينًا  للصندوق (وهي عطية أخري أعطاها له المسيح)، إلا أنه تجاهل تحذيرات يسوع من الطمع والرياء (مت 6: 20؛ لو 12: 1-3)، واستغل الأموال لحسابه ولتغطية جشعه، وتظاهر بالغيرة على الصندوق، فعندما دهنت مريم قدمي يسوع بالطيب تساءل: "لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء؟ قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقًا وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يلقى فيه " (يو 12: 5، 6؛ مت 26: 7 - 13؛ مر 14: 3 - 8).
 
كان حاضرًا بعد ذلك عند غسل أرجل التلاميذ حيث ميزَّ يسوع مرة أخرى بينه وبين بقية الاثنى عشر دون التصريح باسمه: "أَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ"، و"اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ" (يو 13: 10، 18). ويبدو أن يسوع كان يريد أن يعطى يهوذا كل فرصة للتوبة والاعتراف حتى في تلك الساعة المتأخرة. وللمرة الأخيرة عندما جلسوا للأكل، تقدم إليه يسوع بهذه الكلمات: "إن واحدًا منكم سيسلمني" (مت 26: 21؛ مر 14: 18؛ لو 22: 21؛ يو 13: 21). وأخيرًا وردًا على تساؤلات التلاميذ الحائرة: "هل أنا؟" أشار يسوع إلى مسلمه، لابذكر اسمه ، ولكن بالقول: " هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه " (يو 13: 26). وحالما أخذ اللقمة، غادر يهوذا المكان، لقد حانت الفرصة التي كان ينتظرها (يو 13: 30)
 
وبالرغم من كل تلك الفرص والتحذيرات التي صنعها السيد المسيح مع يهوذا ولكنه أصر علي شره ولم يتب, ولهذا يأتي سماح الله لحرية الأرادة معلنا ليهوذا "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ»." (يو 13: 27) وحالما خرج يهوذا ذهب إلى رؤساء الكهنة وأتباعهم، وعندما جاء إلى يسوع في البستان، سلّم سيده بقبلة (مت 26: 47 - 50؛ مر 14: 43، 44؛ لو 22: 47؛ يو 18: 2 - 5)
 
والعجيب أن تحنن الرب حتي علي الأشرار يبن لنا أن المسيح دعاه بالصاحب "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟»" (مت 26: 50) بل وعاتبه "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ؟»" (لو 22: 48) ويذكر متى أن الحكم على يسوع كان سببًا في إيقاظ إحساسة بالذنب، وفي يأسه المتزايد بسبب طرد رؤساء الكهنة والشيوخ له، "طرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه " واشترى رؤساء الكهنة بالفضة حقل الفخاري الذي سمي فيما بعد "حقل الدم" وبهذا تحققت (نبوة زكريا 11: 12-14). ولهذا دعي بإبن الهلاك, ليس لأنه أسلم السيد المسيح, ولكن أن إحساسة بالذنب لم يدفعه الي التوبة, وإنما جعله يشنق نفسه.


وبهذا أعزائي نتأكد من أن النص لا يتحدث عن صفات الله أو إشتراكة مع الشيطان (حاشا) وإنما يحدثنا عن زمن المجئ الثاني وعلاماته, وبالتالي فالله لا يضل أحد بل يظهر أعماق الإنسان الشرير الغير تائب والذي يسر بالإثم ولهذا يعلن "وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا." (2 تس 2: 10) "فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ الَّذِي ذُبِحَ." (رؤ 13: 8)
والسبب في سرد تلك العلامات لنا هو أن الرب يريد أن يحمي أولادة من السقوط في هوة الشر "لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا" (2 تس 2: 3)
ولكنه يوكد أيضا أن هؤلاء الأشرار هم من سيسقطون في تلك الهوة لأنهم أحبوا الإثم ولهذا سيدانوا بالحق "لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ." (2 تس 2: 12)
 
 
"لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ" (رو 1: 18)
 
 
"طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ." (يع 1: 12)


 
 
 
ولإلهنا المجد الدائم. آمين
 
 
____________________________________________________________________________________________________
المراجع:-
1-      الكتاب المقدس بعهدية
2-     تفسير (القمص / تادرس يعقوب ملطي)
3-     تفسير (القمص / أنطونيوس فكري)
4-     موفع سانت تكلا هيمانيوت – (كتاب عندي سؤال (الجزء الرابع) - القس بيشوي فايق) , (يهوذا الإسخريوطي)
5-     الصفحة الرسمية للقس / فيلوباتير مجدي
6-     موقع دكتور غالي
7-     موقع فريق اللاهوت الدفاعي (سؤال ما معنى سماح الله ؟)


Copy Rights © 2022 INT. apologetics.metri.co.uk. All Right Reserved
العودة إلى المحتوى